t
Mona Fathi

مراجعة فيلم Burning.. حين احترق الجائع العظيم، فأحرقت نيران احتراقه الجميع

مراجعة-فيلم-Burning

عندما انتهيت من مشاهدة فيلم Burning تذكرت على الفور سلسلة أفلام مبارايات الجوع، فالأمر بدا لي أقرب لما كان يحدث هناك، ففي حال كنت قد شاهدت سلسلة أفلام مبارايات الجوع أو قرأت الروايات المقتبسة منها، فلابد أنك ستدرك كما أدركت أنا كيف ينظر "بين" لــ "هاي مي".


بالطبع نحن هنا لسنا بصدد فيلم خيال علمي يدور في إطار فانتازي، يوضح بصورة فجة مباشرة كيف أصبح الفقراء لعبة الأثرياء، بغرض الإنتقام والتسلية، فالأمر أبسط من ذلك، إلا أن بساطته تلك تجعل منه كابوساً مريعاً يسهل تحقيقه.


Advertisements

ولكن قبل أن تدفع بك رؤيتي تلك لتصورات خاطئة إسمح لي أن أوضح لك أن الفقر ليس فقر المادة فقط، وإن كان فقر المادة موجود بقوة هنا أيضاً، ولكن ما أقصده بالفقر هنا هو هيام الروح بحثاً عن هدف لازال غير واضح المعالم.


حسناً، لنفهم أكثر علينا أن نلقي نظرة عن قرب على شخصيات الفيلم الرئيسية الثلاثة " جونج سو، هاي مي و بين". تلك الشخصيات التي أجد كل واحدة منهم تحتاج لموضوع منفصل لسبر أغوارها والبحث وراء تفاصيلها الخفية وخلفياتها المعقدة.


ولكن دعنا بدايةً نتناول ظهور الشخصيات الثلاثة في الفيلم، قبل أن نسمح لأنفسنا بكشف الغطاء عن خباياهم، في بداية الفيلم يظهر "جونج سو" متجولاً في أحد الأسواق التجارية قبل أن تجمعه الصدفة بجارته القديمة "هاي مي". يمثل جونج سو وهاي مي النموذج المكرر في عدد كبير من الأفلام للشاب الهادىء قليل الكلام والفتاة الثرثارة كثيرة الحركة، نتوقع هنا أن تنشأ قصة حب بين البطل والبطلة، وهو الأمر الواقع بشكل ما، إلا أن قصتنا هنا ليست كأي قصة حب أخرى.


مراجعة-فيلم-Burning
© 2018 Now Films
Advertisements

تسافر "هاي مي" لإفريقيا لتعود بعد فترة مع صديقها الغامض الجديد "بين" وهنا تبدأ الحكاية. لن نحتاج لمجهود كبير لنتعرّف أكثر على "هاي مي" ونكشف خباياها فحوارها مع "جونج سو" في بداية الفيلم خير مرشد ودليل لنا، هاي مي تملك روح الجائع العظيم الباحث عن هدف يحيا به، فهي كالفراشة تنتقل من زهرة لأخرى إلى أن تجذبها النيران فترتمي في أحضانها راقصة لتحترق.


تدرس "هاي مي" التمثيل الإيمائي أو البانتومايم، الذي لابد وأنك سمعت عنه يوماً، يعتمد التمثيل الإيمائي على المخيلة قبل أي شيء، عليك هنا أن تتصور أشياء غير موجودة وتصدق وجودها ثم تبدأ في التعامل معها، بدأ الأمر مع هاي مي بتقشير وتناول برتقالتها الخيالية، وانتهى بنسج حكايات عن ماضٍ لا وجود له بالأساس، لنجد أن هاي مي تحيا البانتومايم لا تدرسه!


مراجعة-فيلم-Burning
© 2018 Now Films
Advertisements

أما عن "جونج سو"، الذي رغم هدوئه الظاهري وسلبيته الواضحة، إلا أنك سرعان ما ستكتشف كم الصراعات الدائرة بداخله، ضع تلك الصراعات مع روح فنان لم يجد بعد السبيل للتعبير عن فنه، ستكون النتيجة فنان غاضب لا يحتاج إلا دفعة واحدة لتصل نيرانه لعنان السماء.


والآن وصلنا لـ"بين" محرك الأحداث، والمؤجج لنيران "جونج سو". "بين" هنا نموذج للشاب الثري الغامض، الذي يعيش في رفاهيةٍ يتمناها الجميع، إلا أنها لا تكفي "بين" بل تخلق منه وحش كانيبالي مستتر خلف المظهر الوسيم. يخلق "بين" شغفه الخاص، المتمثل في القضاء على كل ما هو هش تائه بلا هدف أو فائدة واضحة، بالضبط كما تصورت تماماً، نحن نشير بوضوح لـ "هاي مي".


قبل أن نتجه للأداء التمثيلي لأبطال الفيلم، دعني أخبرك أن الفيلم مقتبس من قصة قصيرة للكاتب الياباني "هاروكي موراكامي" بعنوان "حرق حظيرة"، الفرق الأعظم بين القصة والفيلم يتمثل في النهاية حيث ترك الكاتب في قصته النهاية غير محسومة تماماً معتمداً بذلك على مخيلة القارىء، بينما أعطانا الفيلم نهاية واضحة أرضى بها غضب المشاهد المتزايد طوال عرض الفيلم.


Advertisements

عن الأداء التمثيلي، دعنا نبدأ بـ "جون سيو جون" التي قامت بتجسيد شخصية "هاي مي" في أول تجاربها التمثيلية، جاء أداء "جون سيو جون" مميزاً بفضل موهبتها الفطرية الواضحة بالإضافة إلى تكوينها الجسماني الذي دعم هشاشتها ورقتها الطبيعية، لتظهر بالصورة التي ينبغي أن تكونها "هاي مي" تماماً.


أما بالنسبة لـ "آن يو" و "ستيفن ين" أصحاب الأدوار الأكبر مساحة والأهم فقد تألقا تماماً وقدما للمشاهد وجبة تمثيلية غنية بكافة مقومات النجاح، لنخرج في النهاية بواحد من أهم أفلام الدراما النفسية الذي سيحفظ مكانه في ذاكرة السينما الأسيوية لفترات طويلة قادمة.


بالطبع لن نستطيع إغلاق المقال دون الحديث عن إخراج الفيلم الذي قام به "لي شانج دونج"، الذي إعتمد في إخراجه فيه على الإيقاع البطيء، مع التركيز على الأجواء الهادئة والخلفيات الباردة، مما سمح للمُشاهد بالحصول على مساحة كافية للتأمل والإكتشاف، فتميز إخراجه بقدر كبير من الوقار والإتزان إن جاز لنا إستخدام التعبير.


الفيلم من بطولة آن يو، ستيفن ين، جون سيو جون، وسيناريو أو جونج مي، لي شانج دونج، وعن قصة "هاروكي موراكامي". إخراج لي شانج دونج.


تم عرض الفيلم لأول مرة في 17 مايو 2018

مدة عرض الفيلم ساعتان و28 دقيقة.


أنظر أيضاً: أعظم 10 أفلام من الألفية الجديدة يجب على كل عاشق للسينما أن يكون قد شاهدها


أضف تعليق... send
comment url

أفلام ومسلسلات ذات صلة