شهد المجال التكنولوجي طفرات عديدة خلال العقود الأخيرة ومن المتوقع أن يشهد المزيد من الطفرات والتقدم بالسنوات القليلة المُقبلة، وقد استرعى ذلك الأمر انتباه العديد من المُبدعين في مختلف الفروع الفنية بما في ذلك صُنّاع السينما، كان نتاج ذلك كم هائل من الأفلام التي حاولت تصوّر المستقبل ورصد أشكال العلاقات المحتملة بين أبناء الجنس البشري من جهة والذكاء الصناعي من جهة أخرى.
يغلب طابع الإثارة على النسبة الأكبر من تلك الفئة من الأفلام التي اتخذت من هذه العلاقة ذريعة فقط لتقديم صورة سينمائية مُبهرة مُقحم عليها أكبر قدر ممكن من مشاهد الحركة، لكن على الجانب الآخر هناك بعض الأفلام التي تناولت الأمر بصورة أكثر عمقاً وجدية دون الإخلال بالجانب الفني فكانت الأفضل والأبقى، وتلك الأفلام هي محور موضوعنا وسوف نستعرض معاً من خلال الفقرات التالية مجموعة من أبرزها وأشهرها.
تدور أحداث Blade Runner داخل نسخة مستقبلية من مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، حيث توصل البشر إلى وسيلة تمكنهم من تخليق روبوتات مُعدلة وراثياً تُعرف باسم "Replicants" ولا يمكن تمييزها بالعين المُجرد عن البشر العاديون، تُستغل تلك الروبوتات في مهام عديدة بالمستعمرات الخارجية ويُحظر استعمالهم -بموجب القانون الدولي- على كوكب الأرض، لكن تتعقد الأمور حين تنجح مجموعة من "الريبليكات" في التسلل إلى الأرض وتصبح مصدر تهديد، فيتم استدعاء الشرطي "ريك ديكارد" من التقاعد لمحلاقتهم والإيقاع بهم قبل فوات الأوان.
تم إنتاج فيلم Blade Runner في عام 1982 وهو يعد أحد أفضل أفلام الخيال العلمي بصفة عامة وأحد أفضل الأفلام التي تطرقت لصراع الإنسان والآلة على وجه الخصوص، وقد كان الفيلم مميزاً على الصعيد الفني ممثلاً في السيناريو والإخراج وكذلك الصعيد التقني ممثلاً في صناعة المؤثرات والخدع التي كانت مُبهرة بمقاييس عصره. الفيلم للمخرج الكبير "ريدلي سكوت" ومن بطولة "هاريسون فورد" وقد رُشح عند عرضه لجائزتي أوسكار.
تجري أحداث فيلم I, Robot في المستقبل -تحديداً عام 2035- حيث تطورت تكنولوجيا صناعة الروبوتات بصورة غير مسبوقة وأصبح البشر يعتمدون عليهم في مختلف المجالات، في هذا العالم يحيا ضابط الشرطة "ديل سبونر" الذي يبغض الآليين بشدة ويرى أنهم بمثابة قنبلة موقوتة سوف تنفجر في وجه البشرية ذات يوم، ثم تأتيه الفرصة لإثبات صحة رأيه حين يتولى التحقيق بإحدى قضايا القتل ويعثر على أدلة تُرجح تورط أحد الآليين.
عُرض فيلم I, Robot في عام 2004 وتميز بتقديمه قصة مثيرة وصورة سينمائية مبهرة وهو يُصنف كأحد أشهر الأفلام التي دارت حول صراع البشر والآليين، الفيلم من إخراج "أليكس بروفاس" وبطولة "ويل سميث" وقد حقق -عند عرضه- نجاحاً كبيراً على الصعيدين النقدي والجماهيري.
يروي فيلم A.I Artificial Intelligence -إنتاج 2001- قصة "ديفيد" الروبوت الشبيه بالطفل البشري الذي يتم تبنيه من قبل إحدى الأسر التي يعاني طفلهم من مرض عضال، مع مرور الأحداث يتعافى الطفل الحقيقي -على خلاف المتوقع- إلا أن "ديفيد" يكون قد تعلق بالأسرة بالفعل ويحاول بذل قصارى جهده وفعل كل شيء بإمكانه لاستعادة حب أمه البشرية.
يجمع فيلم A.I Artificial Intelligence بين الجانب المثير المُميز لأفلام الخيال العلمي وبين العاطفة الجياشة التي تُفعم بها الأفلام الدرامية، كان نتاج ذلك المزيج تجربة سينمائية بالغة التميز وبكل تأكيد جديرة بالمشاهدة، الفيلم للمخرج "ستيفين سبيلبرج" وشارك في بطولته "فرانسيس أوكونور" و"جود لو" و"هالي جويل أوسمنت" وقد تلقى الفيلم ترشيحين لجوائز الأوسكار عند عرضه.
تدور أحداث فيلم الخيال العلمي الدرامي Ex Machina -إنتاج عام 2014- حول المبرمج الشاب "كالب" الذي يتم استقدامه لأحد المختبرات من أجل اختبار وتطوير إنسانة آلية فائقة التطور تُسمى "إيفا" التي صُممت بالشكل الذي يمنحها قدرات مساوية تقريباً لقدرات البشر، لكن تنحرف الأمور عن مسارها حين يشعر "كالب" بميل عاطفي تجاه "إيفا" ومن ثم تتوالى الأحداث كاشفة عن العديد من الحقائق والمفاجآت.
نال فيلم Ex Machina تقييمات نقدية مرتفعة بفضل حبكته القوية المتماسكة والتي احتوت على العديد من الالتواءات والمفاجآت التي تم تضمينها إليه بحرفية شديدة، مما حجز له مكاناً ضمن قوائم أفضل أفلام الخيال العلمي بالقرن الحادي والعشرين. الفيلم من تأليف وإخراج "أليكس غارلاند" وشارك في بطولته "أليشا فيكاندر" و"دومنال جليسون" و"أوسكار إسحاق".
تقع أحداث فيلم Her في المستقبل القريب وتدور حول "ثيودور" الذي يعاني من الوحدة، لكن تتغير حياته حين يقوم بشراء نظام التشغيل المطور OS1 الذي يروج له بأنه الأحدث والأكثر تطوراً، ولكن مع الوقت يجد "ثيودور" نفسه منجذباً لذلك الصوت الأنثوي الصادر من النظام المُسمى "سامانثا" ومن ثم يبدأ في قضاء أوقات أطول في صحبتها وبالتالي تبدأ علاقتهما في التطور.
يمثل فيلم Her تجربة سينمائية شبه متكاملة ولعل الدليل الأبرز على ذلك تلقيه خمس ترشيحات لجوائز الأوسكار من بينها جائزة الأوسكار لأفضل فيلم، إلا أنه في النهاية لم يفز إلا بجائزة واحدة فقط من فئة أفضل سيناريو أصلي، وهو من تأليف وإخراج "سبيكي جونز" وبطولة النجمين "خواكين فينيكس" و"إيمي آدمز".
ينتمي فيلم Robot & Frank إلى فئة أفلام الجريمة الكوميدية وتدور أحداثه حول لص الجواهر المُتقاعد "فرانك" الذي تهديه ابنته إنسان آلي مبرمج لرعاية المرضى وكبار السن، لكن مع مرور الوقت تتوطد الصلة بين الرجل والآلي ويشكلان معاً ثنائياً إجرامياً متخصص في سرقة الماسات، مما يقحمهما في سلسلة من المغامرات والمفارقات الغريبة.
يقدم فيلم Robot & Frank وجبة فنية مميزة وممتعة للمشاهدين لما ينطوي عليه من كوميديا فعالة وذكية موظفة بصورة جيدة ضمن قصته التي تسمح بذلك لما تمتاز به من غرابة وخروج عن المعتاد والمألوف بتلك الفئة من الأفلام، الفيلم من إنتاج عام 2012 ومن إخراج "جايك شراير" وبطولة الممثل "فرانك لانجيلا" بينما قدم الممثل "بيتر سارسجارد" الأداء الصوتي للآلي.
فيلم الخيال العلمي والمغامرة A Space Odyssey :2001 من إنتاج عام 1968 تدور أحداثه حول بعثة من رجال الفضاء ينطلقون في رحلة طويلة محاولين التوصل إلى أصول إحدى القطع الأثرية التي تم العثور عليها مدفونة تحت سطح القمر، لإنجاز تلك المهمة سيتوجب عليهم تلقي الدعم من حاسوب عملاق يُسمى "H.A.L. 9000"، تجري الأمور في البداية كما مخطط لها ولكن مع مرور الوقت تبدأ في الخروج عن السيطرة.
يمثل فيلم 2001: A Space Odyssey للمخرج الكبير "ستانلي كوبريك" أحد المحطات البارزة في تاريخ سينما الخيال العلمي، إذ ساهم في الارتقاء بمستواها على الصعيدين الفني والتقني وألهم عدد كبير من صناع السينما، حيث قدم الفيلم صورة سينمائية غنية ومُبهرة وكذلك قدم قصة رغم تعقيداتها وتشعب خطوطها تم استعراضها بسلاسة واتزان، وقد رُشح لأربعة جوائز أوسكار وفاز بواحدة فقط منهم من فئة أفضل مؤثرات بصرية.
يجمع فيلم Bicentennial Man بين الخيال العلمي والكوميديا والدراما وتدور أحداثه حول إنسان آلي تفاعلي -فائق التطور- يُباع لعائلة "مارتن" كي يؤدي بعض الوظائف المنزلية، لكن العائلة تكتشف لاحقاً أن الآلي الخاص بهم -يختلف عن الآليين الآخرين- إذ يمتلك القدرة على الإبداع، من ثم يطلقون عليه اسم "أندرو" ويدافعون عنه أمام الشركة المُصنعة الراغبة في تدميره بدعوى أنه أصبح معيباً، لكن مع مرور السنوات تزداد الأمور تعقيداً حين يبدأ الآلي في اكتساب بعض المشاعر الإنسانية.
يعد فيلم Bicentennial Man من الأفلام التي قدمت تصوراً مغايراً للمألوف للعلاقة بين الإنسان والآلة من خلال قصة متزنة وحبكة قوية تم تسخيرها لتمرير العديد من الرسائل الضمنية والأفكار الفلسفية، رغم طول مدة عرض الفيلم إلا أن المُشاهد لا يشعر على مدار أحداثه بأدنى قدر من الملل، الفيلم من إخراج "كريس كولومبوس" وبطولة "روبن ويليامز" و"سام نيل".
صدرت ثلاثية أفلام المصفوفة The Matrix بالفترة ما بين 1999 و 2003، وتجري أحداث الثلاثية في المستقبل حيث تنجح مجموعة من الآلات العملاقة فائقة التطور في فرض سيطرتها على كوكب الأرض وتسعى إلى استغلال الجنس البشري كـ"مصدر للطاقة"، بينما يحاول مجموعة من البشر الناجون مكافحة ذلك المصير من خلال الولوج إلى العالم الرقمي "المصفوفة"، ويسعون لتجنيد شخص يدعى "أندرسون\ نيو" الذي تقول النبؤة بأنه المُخلص والأمل الأخير للبشرية.
يمكن اعتبار فيلم The Matrix بمثابة نقلة نوعية في مجال صناعة الخدع والمؤثرات البصرية، كما أنه كان بالغ التميز على مستوى الفكرة والحبكة التي جاءت مُحملة بالعديد من التساؤلات والأطروحات الفلسفية التي ارتقت بالسلسلة من مجرد أفلام ممتعة إلى سلسلة أيقونية تصنف ضمن الأشهر والأفضل في تاريخ السينما، الثلاثية من تأليف وإخراج الأخوة "واتشوسكي" وبطولة "كيانو ريفز" و"لورانس فيشبورن" و"كاري-آن موس" و"هوغو ويفنغ".
تقع أحداث فيلم Minority Report في المستقبل حيث تتمكن إحدى الوحدات الأمنية من تطوير تقنية أَمنية تُمكنهم من التكهن بجرائم القتل بشكل مُسبق ومن ثم منع وقوعها والقبض على المجرمين قبل ارتكابهم لها، لكن تتعقد الأمور حين توجّه تلك التقنية أصابع الاتهام إلى الضابط "جون أندريتون"، الذي يهرب ويدخل في سلسلة من الصراعات في إطار سعيه لإثبات براءته عن طريق هدم ما أمضى عمره يدافع عنه وإثبات أن تلك التقنية من الممكن أن تُخطئ.
يتسم فيلم Minority Report بقدر كبير من التميز على مختلف الأصعدة الفنية فهو يقدم حبكة قوية وأحداث مثيرة كما أنه من إخراج أحد رواد أفلام الخيال العلمي وهو "ستيفن سبيلبرغ" ومن بطولة "توم كروز" و"ماكس فون سيدو" و"كولين فاريل" وهو مقتبس عن قصة قصيرة للكاتب "فيليب ديك".