t
د/كريم وهدان الأبراشي

مراجعة فيلم Mr. Nobody.. الحياة مليئة بالاختبارات المختلفة لكن النهاية دائما واحدة

Mr-Nobody-2009-فيلم

هل الأنسان مخير أم مسير؟ هل الوقوع في حب شخص ما له تفسير منطقي أم أنه القدر الحتمي؟ هل لنا وجود حقا أم نحن في خيالات أحدهم؟ كل هذه المعضلات الفلسفية والدراما النفسية مبعثرة في لوحة فنية بديعة تحتاج إلى أعين دقيقة لتحليلها.


Advertisements

قصة فيلم Mr. Nobody

في عام 2092.. يبلغ نيمو من العمر 118 عاماً وهو آخر إنسان هالك على وجه الأرض، نظرًا للتقدم الطبي فإن جميع البشر خالدين. تتم مقابلة صحفية معه من أجل توثيق حياته، لكن يبدو أن القصص التي يرويها تسير بالتوازي مع بعضها البعض. كيف يمكن أن يكون في عدة أماكن في نفس الوقت؟ هل يعيش حياة متعددة؟

Advertisements

السيناريو

من الممكن ألا يكون هذا الجانب هو المحبب لدي الكثيرين... وبالأحرى هو سبب نفورهم من الفيلم رغم أن شهرة هذا العمل اعتمدت في المقام الأول علي الحبكة المعقدة والمركبة لخلق مساحة إبداعية لا تتكرر كثيراً. لكن هل حقق الفيلم بعد التدقيق والتحليل حبكة متماسكة ومفهومه للمشاهد؟


الإجابة قطعاً نعم.. رغم اعتقاد الكثيرين أن الفيلم عشوائي لكن الأمر على النقيض تماماً، فقط يحتاج المُتلقي إلى تركيب المَشاهد والصور تباعاً مثل حل الأحجيات "puzzle" لكي تتضح له الصورة بشكل كامل ومفهوم.


Advertisements

يبرز لنا الكاتب معضلتين بشكل كبير طوال أحداث الفيلم

فيلم-Mr-Nobody-2009
© 2009 Somebody Production/Toto & Co Films/France 2 cinema/France 3 cinema

أولاً: هل الإنسان له القدرة على الاختيار بإرادة حرة في أي قرار، أم أنه ميسر لقدر معين؟ والإجابة أن الإنسان مسير في خياراتٍ محدودةٍ ويتضح هذا في مشهد انفصال والد ووالدة "نيمو" على رصيف القطار، فهو يختار بين خياران مستحيلان بالنسبة له وكأنه يختار بين قلبه وعقله، فحتماً سيموت مهما اختار أي منهم.


ثانياً: إن أبسط الأفعال لها أثر كبير في المستقبل مستنداً على النظرية الفلسفية "The Butterfly Effect"؛ فإن حركة فراشة واحدة من الممكن أن تغير مصير البشرية بأكملها.


فالحياة عبارة عن احتمالات لا حصر لها، ويركز الفيلم هنا على ثلاثِ احتمالاتٍ بالتحديد في حياة "نيمو " عندما يقرر الذهاب مع والدته أو المكوث مع أبيه، ودائما ما يميز كل احتمال عن الآخر هو الفتاة التي سوف يتزوجها. رتب المَشاهد في كل احتمال منهم في تسلسل طبيعي وستري أن الأقدار حتمية والنهايات واحدة لا خيار ولا تدخل فيها.


بشكلٍ عام يصعب فهم الحبكة بشكل كامل على الأقل في أول مشاهدة، لكن لم ينسى الفيلم باقي العناصر السينمائية الأخرى، منها الحوارات الجذابة والرومانسية في كل فصل من فصول الفيلم لجعل المُشاهد دائما في حالة من التعمق في الذات البشرية.


Advertisements

التمثيل

يعتبر أحد العناصر الجاذبة للفيلم بعيداً عن تعقيد الحبكة، فرؤية أكثر من شخصية في ثلاث مراحل مختلفة من العمر أمر غاية ف الصعوبة على المخرج حتي لا تهرب منه خطوط وملامح الشخصية.


جاريد ليتو

فيلم-Mr-Nobody-2009
© 2009 Somebody Production/Toto & Co Films/France 2 cinema/France 3 cinema

الفنان الشامل المتميز دائما في تأدية الأدوار المركبة والغامضة يتوج موهبته في هذا الفيلم بدور "نيمو" العجوز والشاب الذي يحمل الكثير من التناقض في المشاعر والقرارات بسبب رؤيته للمستقبل، أو كما يصف الفيلم "تذكره للمستقبل" في أصعب الأدوار المركبة علي الشاشة الكبيرة، فكل مشهد بين الاحتمالات الثلاث كان يجب عليه إظهار مشاعر الارتباك والتناقض والذكاء.


يجب الإشادة بجميع الممثلين المراهقين الذين قدموا أداء أفضل من أداء ممثلي نفس الشخصيات في سن أكبر، فدائما أتذكر شخصية "أنا" الرائعة من الممثلة الشابة "جونو تيمبل" أكثر من الممثلة المخضرمة "ديان كروغر" التي كانت صاحبة أداء باهت ومحبط إلى حدٍ كبير.


Advertisements

الإخراج

قدم لنا المخرج الرائع "جاكو فان دورميل" هذه التحفة الفنية بميزانية لم تتعدى الـ 50 مليون دولار لكنه استطاع أن يقدم تجربة بصرية فريدة وممتعة جدا.


فقد اعتمد بشكل كبير على لقطات الـ close up لتقديم دراما نفسية عميقة من خلال تعبيرات وجوه الممثلين وأيضاً للدلالة على أن الفيلم ينْصَبّ كلياً على الإنسان وماهيته ولا أهمية لما يحدث من حوله.


هناك أيضا "السينماتوغرفيا" التي كانت رائعة ومليئة بالألوان الزاهية والأشبه بالكرتونية لخلق شعور أن هذا العالم هو من نسيج خيال طفل في التاسعة من عمرة.


ختام

يعتبر Mr. Nobody فيلم فلسفي مرجعي لكل صناع الأفلام يتطرق لطرح أسئلة وجودية بطابع فني يستفز عقل المُشاهد للتفكير المستمر في وجود الإنسان واختياراته في الحياة، حيث يعتمد بشكل كلي على الحبكة المعقدة لكن لا يغفل باقي العناصر السينمائية ليقدم لنا تجربة فريدة ومميزة لا تنسى.

أضف تعليق... send
comment url

أفلام ومسلسلات ذات صلة